کد مطلب:306607 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:178
رسالة و جواب فخر لک
.. بعث الملك «فیلیب» البافاری، الی الخلیفة «هشام» الاول یسأله السماح له بایفاد هیئة تشرف علی حال بلاد الاندلس و دراسة انظمتها و شرائعها و ثقافة مختلف الاواسط فیها لیتمكن من اقتباس المثمر المفید من ذلك لبلاده. فوافق الخلیفة علی هذا الطلب و ارسل الملك الجر منی وفداً برئاسة وزیره الاول المدعو (ویلیمین) ثم اخذ بعض ملوك اوروبا ینسجون علی منوال الملك البافاری، فارسل ملك انكلتره جورج الثانی ابنة أخیه الأمیرة (دوبانت du Bonnette) علی رأس بعثة تحصی 18 فتاة من بنات الأمراء والأعیان الی (اشبیلیة) یرافقهن رئیس موظفی القصر الملكی النبیل (سفیلك) و كان یحمل كتاباً من ملیكه الی الخلیفة (هشام الثالث) و هذا تعربیه [1] :
(من جورج الثانی ملك انكلتره والغال والسوید والنروج الی الخلیفة ملك المسلمین فی مملكة الاندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجلیل المقام).
بعد التعظیم و التوقیر. فقد سمعنا عن الرقی العظیم الذی تتمتع بفیضه الضافی معاهد العلم و الصناعات فی بلادكم العامرة. فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداءة حسنة فی اقتفاء اثركم لنشر انوار العلم فی بلادنا التی یحتاطها الجهل من اربعة اركانها. و قد وضعنا ابنة شقیقنا الامیرة (دوبانت) علی رأس بعثة من بنات اشراف الانكلیز لتتشرف بلثم اهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زمیلاتها موضع عنایة عظمتكم و حمایة الحاشیة الكریمة، و حدب من لدن اللواتی سیتوفرن علی تعلیمهن. و قد ارفقت الامیرة الصغیرة بهدیة متواضعة لمقامكم الجلیل ارجو التكرم بقبولها [2] مع التعظیم والحب الخالص.
من خادمكم المطیع: جورج م.
أما الوزیر (ویلیمین) فقد توجهت مهمته فی الاندلس بأحسن النتائج وانفعها لبلاده حیث تمكن من اعداد بعثة مكونة من 215 طالبةً و طالباً و زعت علی معاهد الاندلس العلمیة والصناعیة لتلقف العلوم والصناعات التالیة:
1- الفلسفة والعلوم المختلفة.
2- صنعة النسیج والتطویر والنقش.
3- الطبابة والتمریض.
4- صناعة الاسلحة.
5- صنعة الزجاج.
6- صنعة بناء السفن.
7- صنعة الورق.
8- صنع البارود.
9- بناء القلاع و الحصون.
10- علم الفلك (والسیما) ای الكیمیاء والفزیاء المسمی (بعلم الطبیعة).
11- العلوم الزراعیة و الصناعیة الأخری [3] .
.. ذلك یرجع الفضل فیه للمسلمین.. فلولاهم لبقیت اوربا فی غیابتها الی الیوم و لم تنل منها امم المعمورة ما نالته من التقدم و المدینة اما مباشرة أو بالواسطة.
.. و یحسن بنا أن نأتی علی نص الجواب الذی بعث به الخلیفة هشام الاول الی ملك الانجلیز و فیه عبرة بالغة لمن تمعن فی سطوره و هذا جوابه:
بسم اللَّه الرحمن الرحیم
(الحمدللَّه رب العالمین، والصلاة والسلام علی نبیه سید المرسلین. و بعد الی ملك انكلتره وایكوسیا و اسكندیناویا الأجل. لقد اطلعت علی التماسكم فوافقت بعد استشارة من یعنیهم الأمر من ارباب الشونه علی طلبكم. و علیه فأننا نعلمكم بأنه سینفق علی هذه البعثة من بیت مال المسلمین دلالة علی مودتنا لشخصكم الملكی أما هدیتكم فقد تلقیتها بسرور زائد و بالمقابلة ابعث الیكم بغالی الطنافس الاندلسیة و هی من صنع ابنائنا هدیة لحضرتكم و فیها المغزی الكافی للتدلیل علی التفاتنا و محبتنا والسلام).
خلیفة رسول اللَّه علی دیار الاندلس (هشام).
.. فانت اذا حاولت تحلیل كلمات الخلیفة هشام الورادة فی هذا الكتاب الموجه الی ملك انگلترا و سبرت غور معانیها للمست من ورائها روح السؤدد والمباهاة، فبعداً لدهر قضی علی معالم هذا المجد الذی دلف ملوك و اباطرة
الفرنجة الی استدرار عطف امرائه و ساداته و احتقاب رضاهم، و الاستنارة باضواء حضارتهم و علومهم. اجل بعداً لدهر حمل ملوك و سادة الامم علی ان یلووا بأعنة الرواحل التی كانت تحمل شعار سؤددهم و یأخذوا فی مناصبة بعضهم بعضاً عداء و نضالاً تفككت معه اوصالهم، و وهنت فی ساحاته عظمتهم، و تلاشت من جنباته امجادهم. و لا ندری من الملوم بعد هذا أنحن یا تری أم الدهر الخؤون الغادر؟ والحمداللَّه فالامم جمیعاً تدین لخاتم النبیین محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم بما هی علیه من حیاة و قوة و بما فی نهضتنا من الروح المؤدی الی التكمیل والعمران والمدنیة ألیس هذا مصداقاً لقوله تعالی: (و ما ارسلناك إلّا رحمة للعالمین) [4] .
[1] عن كتاب (العرب عنصر السيادة في القرون الوسطي) للمؤرخ الانجليزي (جون دوانبورت Duinburth Juhen).
[2] ذكر (عبدالرحمن شرف) المؤرخ المشهور في كتابه (التاريخ العام): ان هذه الهدية كانت عبارة عن شمعدانين من الذهب الخالص طول الواحد ثلاثة اذرع من اواني ذهبية اخري للطعام عددها 22 قطعة. نقشت بأبداع واروع النقوش السكسونية وكلها من صنع بلاد الانكليز و تعد من التحف النادرة التي لا تقدر بثمن، و لا يعلم الي اين آل امرها مع غيرها من الكنوز الثمينة بعد انقراض الدولة العربية الاندلسية.
[3] يقول المؤرخ التركي (عبدالرحمن شرف بك): ان اكثر افراد هذه البعثات قد نبغوا في الفنون والعلوم التي تخصصوا لدراستها و بقي 8 منهم في الاندلس حيث اعتنقوا الاسلام و لم يعودوا الي بلادهم. و بين هؤلاء ثلاث فتيات تزوجن من مشاهير رجال الاندلس وانجبن فحولاً يشار اليهم بالبنان، اشتهر منهم الفلكي الطائر الصيت (عباس بن مرداس). ثم تلت هذه البعثات وفود أخري قدمت من فرنسا و ايطاليا و البلاد الواطئة و ملأت معاهد (غرناطة) و (اشبيلية) و اقتبست من انوار الحضارة الاندلسية شتي العلوم والفنون و تخلقت بالاخلاق العربية الاسلامية و درجت علي بث هذه المكارم و المواهب في بلادها..
جاء في كتاب ين الديانات و الحضارات تحت عنوان: (في مصانع اوربا و معاهدها):لم تكتف اوربا بارسال البعثات- آنفاً الي الديار الاندلسية و لم تفقف عند هذا الحد من التلفت الي تكوين المصير اللامع لشعوبها و حكوماتها و بث روح النهضة بين مختلف الطبقات و لا سيما العناصر التي تقطن ارجاء اوربا الشمالية كالجرمينة والسكسونية و الغالية، بل قامت بعض هذه الدول في اواسط القرن التاسع الميلادي و ما يليه تستأجر بالاموال الوفيرة الاساتذة والخبراء العرب والمسلمين لتأسيس المدارس والمعامل و إحياء الصناعات العديدة و نشر لواء العمران والتنظيم في بلدانها. فقد ذكر كتاب (المراقب) ان ما يقرب من (90) استاذاً عقدت لهم حكومات الارض الواطئة (هولانده) و سكسونيا و بلاد الغال (انكلترة) عقوداً سخية واستجلبتهم ليقوموا بوضع الاسس الوطيدة لانشاء المعاهد العلمية بمختلف درجاتها. و قد انتُقُوا من اشهر العلماء العرب والذين يحسنون اللغتين اللاتينية والاسبانية. كما عقدوا الاتفاقات والعقود الطويلة الاجل من عدد لا يقل عن المائتي خبير عربي مسلم و في مختلف الصناعات و خاصة إنشاء السفن و فن البناء و الزراعة والنسيج وراح هؤلاء الافاضل والجهابذة يلقنون الشعوب الاوربية مختلف العلوم والصناعات و يعملون علي تنظيم مرافقتهم و إعمار ديارهم باخلاص وانكباب يليق بالوفاء العربي الاسلامي الذي لا يعرف الخداع والمماراة، فكان هذا العهد بداءة وئيدة للاقبال واليقظة في اوربا اعقبها بعد ذلك انتشار روح الحضارة بتسلسل انتظمت فيه المعاونة الشريفة الصادقة و قد اسبغتها العرب و المسلمون علي كل اثر من آثارها الباهرة التي تشاهدها عليه اليوم.
[4] بين الديانات والحضارات ص 71.